بسم الله الرحمن الرحيم
1.
ما يستعاذ منه
(عذاب القبر)
الحمد لله الذي من استعاذ به فقد عُصم، ومن نسيه فقد حُرم، أما بعد:
سبق أن بيّنا أن الاستعاذة هي اللجوء والاعتصام وذكرنا أنه يستعاذ بالله من الشيطان ومن أمور كثيرة ذكرناها إجمالاً، وتكملة للموضوع نفصلها ومن ذلك الاستعاذة من عذاب القبر، فالاستعاذة منه مشروعة في كل صلاة.
عن أم المؤمنين عائشةـ رضي الله عنهاـ قالت: «يا رسول الله إن عجوزين من عجز يهود المدينة دخلتا عليّ فزعمتا أن أهل القبور يعذبون في قبورهم، فقال: صدقتا، إنهم يعذبون عذابا تسمعه البهائم، قالت: فما رأيته بعد في صلاة إلا يتعوذ من عذاب القبر» [رواه مسلم].
الأدلة على عذاب القبر
دل كتاب الله على عذاب القبر حيث أخبر سبحانه وبحمده عن آل فرعون أنهم يعذبون في قبورهم بسبب كفرهم وتمردهم على ربهم ومخالفتهم لنبيهم موسى عليه السلام، قال تعالى (النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب) [غافرـ 46].
وقد ذكر أهل التفسير أن هذا العرض يكون في القبر، ومن السنة النبوية عن أنسـ رضي الله عنهـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لولا ألا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر» [رواه مسلم].
وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه إنه ليسمع قرع نعالهم، قال: يأتيه ملكان فيقعدانه فيقولان: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فأما المؤمن فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله، قال: فيقال: انظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعدا من الجنة، قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: فيراهما جميعا» [رواه مسلم].
وقد صلى النبي صلى الله عليه وسلم على جنازة وكان من دعائه «وأعذه من عذاب القبر».
مواضع الاستعاذة «من عذاب القبر» في الصلاة:
</STRONG>
تكون الاستعاذة من عذاب القبر في نهاية التشهد الأخير في الصلاة كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا فرغ أحدكم من التشهد الآخر فليتعوذ بالله من أربع من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن شر المسيح الدجال» [رواه مسلم].
مستريح ومستراح منه
من آمن بربه وعمل صالحا فموته راحة له من نصب الدنيا وعنائها وأما من لم يؤمن بربه ولم يعمل صالحا وسعى في الأرض فسادا فموته راحة للبلاد والعباد منه.
مرحلة القبر
</STRONG>
عندما صلى أعرابي خلف رجل وسمعه يقرأ قوله تعالى (ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر) قال: إن الزيارة لا تدوم، ففهم أن اللبث في القبور لا يدوم ولكن بعده نشور، وجنة أو نار، بحسب الأعمال ولكن هذه المرحلة مقدمة لما بعدها فقد، روي عن الخليفة الراشد عثمان بن عفانـ رضي الله عنهـ أنه كان إذا وقف على القبر بكى ويقال له: لماذا تبكي؟ ويرد: القبر أول مرحلة من مراحل الآخرة فمن نجا منه نجا فيما بعد.
عذاب القبر ونعيمه
</STRONG>
عذاب القبر ونعيمه أمر خفي على البشر ولله الحكمة في ذلك، وقد مر معنا في الحديث السابق أنه لو رآه البشر أو سمعوه لأحجموا عن دفن موتاهم، ويكون في الإطلاع على ما يحصل للموتى فضيحة لهم، والله عز وجل يستر على كثير من عباده في الدنيا والآخرة وأيضا أمور الآخرة لا تقاس على أمور الدنيا ولكل مرحلة أحوالها ونحن في عالمنا المحسوس نجد أن النائم يحلم بنعيم يتلذذ به في نومه ولا يشعر به من بجانبه حتى أنه عندما يستيقظ يتمنى أنه لم يستيقظ واستمر في عالمه الذي كان فيه ولا يدركه من حوله، ولو أن النائم كان في حلم مزعج لم يشعر به من بجانبه وعندما يستيقظ يحمد الله على نهاية ذلك الحلم الذي كاد يقتله من شده آلامه التي أحدثها في نفسه، ويسر لمغادرته ذلك العالم الذي كان فيه.
والله عز وجل لا يسئل عما يفعل، وليس من الواجب عليه أن يطلع البشر على كل صغيرة وكبيرة من أسرار مخلوقاته، والإنسان تخفى عليه أمور كثيرة، فمنها روحه التي يعيش بها فهو عاجز عن معرفة كنهها، قال تعالى (ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) [الإسراءـ 85]، ويكون الاختبار في الدنيا هو بالإيمان بالمغيبات كما قال تعالى (هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب)، ولو كشف لما صار غيبا يحصل الاختبار به، ونحمد الله الذي أرسل الرسل لهداية البشرية إلى ربها وعلينا بالاستعداد بالإيمان بالله وبما أخبر به وأن نعمل صالحا، وأن نتذكر مرحلة القبر حتى لا نعصي ولا نطغى، قال شاعر الزهد:
ما لي مررت على القبور مسلما
قبر الحبيب فلم يرد جوابي
لو كان ينطق بالجواب لقال لي
أكل التراب محاسني وشبابي
وسيكون أحدنا وحيدا في قبره، لا مال، ولا أهل، ولا أصحاب إلا صاحب واحد وهو «العمل»، فإن كان عملا صالحا فأنعم به من صاحب، وسترى ما يسرك وإن كان عملا سيئا فالخيبة والخسران، فلنستعذ بالله من عذاب القبر كما ورد نهاية كل تشهد في صلاة الفرض والنفل قبل السلام ونعد العدة لتلك المرحلة القادمة عما قريب بفعل ما يرضي الله والبعد عما يغضبه من فعل الباطل أو نصرة أهله أو تمكينهم من أي وسيلة تنشر ظلامهم وخزعبلاتهم التي لم يشرعها الله ولم يرضاها بل أمر بإنكارها وإظهار بطلانها للناس أسأل الله أن يعلي كلمته وينصر أهل التوحيد ونسأله جل وعلا أن يبعدنا عن الغفلة التي تكون سببا في تقصيرنا بحقه، وأن يجعل قبورنا رياضا من رياض الجنة، وأن يسعدنا وإياكم في الدنيا والآخرة وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
--------------------------------------------------------------------------------
2.<
ما يستعاذ منه
(نار جهنم)
الحمد لله الذي من استعاذ به فقد عُصم، ومن نسيه فقد حُرم، اما بعد:
شرع لنا الرحمن الرحيم الاستعاذة به من نار جهنم، اعاذنا الله واياكم منها، قال تعالى (والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم)، ومن السنة الدعاء للميت بان يعيذه الله من عذاب القبر، فقد ورد في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم انه صلى على جنازة فدعا لصاحبها وقال: «اللهم اعذه من عذاب القبر ومن عذاب النار».
مشروعية الاستعاذة من «عذاب النار» في الصلاة
يستعيذ المصلي في نهاية التشهد الاخير كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال«اذا فرغ احدكم من التشهد الاخير فليتعوذ بالله من اربع، من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن شر المسيح الدجال» رواه مسلم.
وهذه الاستعاذة في كل صلاة مما يبين اهمية ذلك وان المصلي يختم صلاته باللجوء الى ربه بان يصرف عنه عذاب نار جهنم.
نار جهنم</STRONG>
النار مخلوقة الآن، وهي عظيمة وكبيرة حتى انها تتسع لكل من خالف امر ربه من المشركين والمنافقين والكفار والعصاة، قال تعالى (يوم نقول لجهنم هل امتلأت فتقول هل من مزيد) «قـ 30».
وقد جاء في الحديث انه يجرها العدد الكبير من الملائكة لعظمها، عن ابن مسعودـ رضي الله عنهـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون الف زمام مع كل زمام سبعون الف ملك يجرونها» رواه مسلم.
انها النار التي وقودها الناس والحجارة، قال تعالى (يا ايها الذين آمنوا قوا انفسكم واهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة) «التحريمـ 6».
ذُكر ان الخليفة الصالح عمر بن الخطابـ رضي الله عنه ـ الذي اعز الله به الاسلام، شهيد المحراب، كان يقرأ هذه الآية ويوقظ اهله للصلاة. ولا شك ان كل رب اسرة مسؤول عن اهله، فكما انه حريص على تأمين امور معاشهم، فليحرص على نجاتهم من النار.
قعر النار سبعون خريفاً
</STRONG>
عن ابي هريرةـ رضي الله عنهـ قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم اذ سمع وجبة قال:« هذا حجر رُمي به في النار منذ سبعين خريفا حتى انتهى الى قعرها» رواه مسلم.
(الوجبة: أي الصوت، سبعون خريفا: اي سبعون عاما)، نسال الله السلامة والعافية.
أهل النار</STRONG>
كل من اشرك بالله بصرفه شيئا من انواع العبادة لغير خالقه، قال تعالى (ان الذين كفروا من اهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها) «البينةـ 6».
كل منافق، قال تعالى (ان المنافقين في الدرك الاسفل من النار) «النساءـ 144».
كل من كفر، قال تعالى (فويل للذين كفروا من النار) «صـ 27».
عصاة المسلمين، فمن عصى الله فقد استحق العقوبة، فان تاب غفر الله له ولم يعاقبه، ومن مات على معصيته فهو تحت المشيئة ان شاء الله غفر له، ولم يدخله النار برحمته وعفوه سبحانه وبحمده، وان شاء عذبه في النار بعدله وجزاء لمعصيته لربه.
ولكن عصاة الموحدين لا يخلدون في النار بل يخرجون من النار بعد مدة، وهذا يدل على عظم شأن التوحيد وان صاحبه لا يخلد في جهنم بخلاف من اشرك.
طعام أهل النار وشرابهم</STRONG>
طعامهم شجر الزقوم الذي يؤذيهم ولا يغنيهم من جوع، قال تعالى (ان شجرت الزقوم طعام الاثيم) «الدخان:43ـ44»، وشرابهم الماء الحار الذي يقطع امعاءهم لشدة حرارته، قال تعالى (وسقوا ماء حميما فقطع امعاءهم) (محمدـ 15).
أهل النار يطالبون بالتخفيف
</STRONG>
انهم ينشدون توقف العذاب ولو ليوم واحد فقط، ولا يتحقق لهم ذلك، قال تعالى (وقال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب) «غافرـ 49».
أهون أهل النار عذاباً</STRONG>
هو يظن مما يجد من الم العذاب انه لا احد اشد منه عذابا في النار، وهو اخف، فما سواه اشد منه، عن النعمان بن بشيرـ رضي الله عنهماـ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«ان اهون اهل النار عذابا يوم القيامة لرجل يوضع في اخمص قدميه جمرتان يغلي منهما دماغه ما يرى ان احدا اشد منه عذابا وانه لاهونهم عذابا» متفق عليه.
اننا مهما حاولنا تصور تلك النار فهي على الحقيقة اشد عظمة نعوذ بالله منها، انها عقوبة الله لمن خالف امره، قال تعالى (فيومئذ لا يعذب عذابه احد ولا يوثق وثاقه احد) «الفجر: 25ـ26».
ما سبيل النجاة والخلاص؟</STRONG>
الطريق واضح والامر سهل على من سهله الله له، وهو (امتثال ما امر الله به) وترك (ما نهى الله عنه)، فليس لله حاجة لان يعذب احداً ولكن بني البشر هم الذين يطغون ويتجبرون ويتركون الواجبات ويفعلون المنهيات.
اننا بحاجة الى ايقاظ قلوبنا من الغفلة بان نتذكر النار ونعظ انفسنا بها لنستعد لآخرتنا وكما قال ابن رجبـ رحمه اللهـ: المواعظ صراط القلوب فمع رغد العيش وكثرة المنهيات يمكن ان ينسى العبد ربه وكيف يحصل منه ذلك والنار هي العقوبة.
وقد احسن من قال: عجبت للجنة كيف يفتر طالبها، وعجبت للنار كيف نام هاربها.
وان النجاة من النار لهي الفوز، قال تعالى (فمن زحزح عن النار وادخل الجنة فقد فاز)، ان سبب دخول اهل النار النار هو تركهم للعمل الصالح ولذلك يصرخون طالبين العودة للدنيا حتى يعملوا صالحا، قال تعالى (وهم يصطرخون فيها ربنا اخرجنا منها نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل) «فاطرـ 37»، ولكن هيهات هيهات، فلا رجوع، قال ربنا جل وعلا (او لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير».
فلنصرف الجهد الذي برحمة الله ثم بسببه تكون النجاة من تلك النار وذلك الجهد بالعمل الصالح الذي يحبه ربنا ويرضاه كما ارشد الى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم بقوله «اتقوا النار ولو بشق تمرة»، ولنحذر من المعاصي في هذه الدنيا، بئست تلك اللذة التي تورث الندامة والحسرة في الآخرة، ولنستعذ بالله من نار جهنم في كل صلاة ونسأله ان يصرف عنا عذاب جهنم وهو عظيم كريم رحيم لا يخيب من استعاذ به ودعاه وتطلع الى مغفرته ورحمته واستقام على الصراط المستقيم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه ومن اهتدى بهديه الى يوم الدين.
--------------------------------------------------------------------------------
3.
ما يستعاذ منه (المسيح الدجال)
هل خرج المسيح الدجال في هذه البلاد؟
قيام الساعة حق لا ريب فيه، قال تعالى (اقتربت الساعة وانشق القمر) [القمرـ1]، وعندها ينال الناس حسابهم على ما عملوا في الدنيا، قال تعالى (اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون) [الأنبياءـ 1].
وقد جعل الله لها علامات سُميت بأشراط الساعة تدل على قرب وقوعها، ومن تلك العلامات فتنة خروج الدجال وقد أمر الشارع الحكيم بالاستعاذة من «فتنة المسيح الدجال»، وهي فتنة عظيمة حتى أن الناس يفرون إلى الجبال منها، نسأل الله السلامة.
لماذا سُمي بالمسيح الدجال؟
</STRONG>
سُمي بالمسيح لأنه ممسوح العين اليمنى، فليس له إلا عين واحدة.
الدجال: الكذاب لأنه يدّعي أنه هو الرب، وهو كذاب.
تحذير النبي صلى الله عليه وسلم أمته منه
</STRONG>قال عبد الله بن عمرـ رضي الله عنهماـ: «قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس فأثنى على الله بما هو أهله ثم ذكر الدجال فقال: إني لأنذركموه» [رواه البخاري ومسلم].
صفاته وما يدل على أنه المسيح الدجال
</STRONG>
1ـ أنه أعور والله تبارك تعالى ليس بأعور،
قال صلى الله عليه وسلم : «ألا إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور» [متفق عليه].
2ـ الدجال كافر وليس بمسلم.
3ـ مكتوب بين عينيه كافر،
عن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الدجال مكتوب بين عينيه كافر، ثم تهجاه ك ف ر يقرأه كل مسلم» [رواه مسلم].
4ـ لا يدخل مكة ولا المدينة
بل يقترب من المدينة فترجف ويخرج إليه كل كافر ومنافق ويكون على المدينة حرس من الملائكة.
5ـ الدجال يُرى في الدنيا ويمكن مشاهدته ومعرفة صفاته،
والرب تبارك وتعالى لا يُرى في الدنيا وتكون رؤية المؤمنين له في الآخرة.
6ـ يُعطى إمكانات وقدرات عجيبة،
منها أن من يؤمنوا به يأمر بالمطر فيصبهم الخصب ومن يكفرون به لا يمطروا ويصبهم الجدب وفي ذلك ابتلاء للناس.
7ـ معه نار وماء وهما بخلاف الظاهر
وهو يعاقب من يكفر به بإلقائه في ناره وفي الحقيقة هي لا تحرق المؤمن، عن حذيفة ـ رضي الله عنهـ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الدجال: «إن معه ماء وناراً، فناره ماء وماؤه نار» [رواه البخاري].
هل خرج الدجال في هذه البلاد؟
</STRONG>
حصل لي موقف طريف عندما ذهبت لإصلاح سيارتي، فبعد أن أوقفت السيارة عند أحد المحلات جلست انتظر حتى الانتهاء من إصلاحها، وتحدث إليّ أحد العمال وسألني هل خرج الدجال؟ فأجبته لم نسمع بذلك، قال: قد خرج الدجال، قلت: أين ومتى؟ قال في هذه البلاد وفي هذا الوقت، أخبرته بأن خروج الدجال لا يخفى على الناس وإنه أمر عظيم.
انتهى حديثنا وجلست انتظر وغاب عني هذا الرجل فترة قصيرة، وإذا به يعود إليَّ مرة أخرى ومعه عامل قد جاء معه من أحد المحلات القريبة، وأشار إليه (يعني أن هذا المسيح الدجال الذي حدثتك عنه)، الرجل الآخر لم يفهم ماذا يدور بيننا ولماذا جاء به إليّ، وقد بدا على وجهه آثار تعب العمل وهو أعور وإحدى عينيه ناتئة وممسوحة، حاولت التحدث معه ولم أخبره أن من جاء به يزعم أنه الدجال ثم انصرف، عجبت من صنيع الرجل الأول وحديثه فيما يقول، ثم بيّنت له أنه مخطئ وأن هذا عامل بسيط وهو يعمل في هذه المحلات لكسب قوت يومه، وأن الدجال أكبر من هذا كله، وهو لم يخرج في هذا الوقت ولا في هذه البلاد، والذي يعلم وقت خروجه هو الله، وعلى المسلم أن يؤمن بما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو ربه أن يجنبه فتنة الدجال وغيرها من الفتن التي تؤثر على دينه.
مدة لبثه في الأرض
</STRONG>في صحيح مسلم «قلنا يا رسول الله وما لبثه في الأرض، قال: أربعون يوما، يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم».
قراءة أول سورة الكهف عصمة من الدجال
</STRONG>قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «فمن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف» [رواه مسلم].
خروج الدجال
</STRONG>
هل ما يحدث اليوم في العالم من كثرة القتل في الناس وتوافر وسائل القتل الجماعي بحيث تطورت الأسلحة حتى أن قنابل صغيرة تقتل جمعا من الناس، وقد ورد في السنة كثرة الهرج «القتل» في آخر الزمان وأن المقتول لا يعلم لماذا قُتل فهو بريء وهذا ما يحصل اليوم، هل هذا يعتبر إرهاصات لخروج الدجال؟
ورد في بعض الآثار أن الدجال عندما يخرج يعلم الناس به جميعا في لحظة واحدة، وكان المتقدمون يستغربون من ذلك ويقول بعضهم ربما يهتف هاتف من السماء يخبر الناس بخروجه «اليوم» نحن لا نستغرب وصول الخبر للناس في آن واحد، لأن وسائل الإعلام أصبحت تفعل ذلك وقد يتعجب من سبقنا كيف يجوب الدجال الأرض سريعا ونحن اليوم لا نتعجب لأنه صُنعت الطائرات التي تنقل الناس بين القارات في ساعات وكذلك السيارات فما كان يُقطع في الماضي في شهر يُقطع في هذا الزمن في يوم.
رجل مؤمن يكشف زيف الدجال
</STRONG>عن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إذا رآه المؤمن قال أيها الناس هذا الدجال الذي ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فيقول أو ما تؤمن بي، فيقول: أنت المسيح الكذاب» [رواه مسلم].
ثم إن الدجال يأمر بنشر هذا المؤمن حتى يكون نصفين ويمشي الدجال بين القطعتين ثم يقول له: قم، فيستوي قائما، فيقول: أو ما تؤمن بي؟ فيقول: ما ازددت فيك إلا بصيرة، ويريد قتله فلا يستطيع ويأخذه ويقذف به ويحسب الناس أنه قذفه في النار وإنما هي الجنة، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم «أن ذلك الرجل أعظم الناس شهادة عند رب العالمين».
الاستعاذة من الدجال
</STRONG>
قالت أم المؤمنين عائشةـ رضي الله عنهاـ قالت: «سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ من الدجال». [رواه البخاري].
وتشرع الاستعاذة منه في الصلاة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا فرغ أحدكم من التشهد الآخر فليتعوذ بالله من أربع: من عذاب جهنم ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات ومن شر المسيح الدجال» [رواه مسلم].
هلاك الدجال
</STRONG>
عيسى عليه السلام نبي الله هو الذي يقتل المسيح الدجال بعد نزوله إلى الأرض، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يخرج الدجال في أمتي فيبعث الله عيسى بن مريم فيطلبه فيهلكه» [رواه مسلم].
وهكذا يعلم أن فتنة الدجال فتنة عظيمة فنستعيذ بالله منها وندعوه جل وعلا أن يحفظنا منه ونتمنى ألا نلقاه، فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم «لا تتمنوا لقاء العدو فإذا لقيتموه فاثبتوا»، فإن خرج في زماننا فنسأل الله الثبات وندعوه سبحانه وبحمده أن يجنبنا الفتن جميعا، إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير.
--------------------------------------------------------------------------------
4.
ما يستعاذ منه (النفاثات في العقد) -</STRONG>
نعوذ بالله من شر كل ذي شر، ونعوذ بالله من الشياطين ونعوذ بالله من شر السحرة المارقين، وقد أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بالاستعاذة من شر السحر وأهله، قال تعالى (قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق ومن شر غاسق إذا وقب ومن شر النفاثات في العقد) [سورة الفلق].
قال ابن كثير- رحمه الله- في تفسيره: «وقوله تعالى (ومن شر النفاثات في العقد) قال مجاهد وعكرمة: يعني السواحر».
تعريف السحر
السحر هو: ما خفي ولطف سببه، وقيل هو: ما يتعاطاه السحرة من عقد وعزائم وأعمال تؤثر في الأبدان والقلوب، وتفرق بين المرء وزوجه.
حكم السحر
</STRONG>
السحر محرم وهو من كبائر الذنوب وينافي التوحيد من جهتين:
1- ما فيه من استخدام الشياطين والتعلق بهم ويتقرب لهم بأعمال بعضها كفر.
2- فيه إدعاء علم الغيب، وعلم الغيب استأثر الله به فلا يعلم الغيب إلا الله.
قال تعالى (ولا يفلح الساحر حيث أتى) [طه- 69]، والسحر ذنب كبير وقد سماه الله كفرا، قال تعالى (ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر) [البقرة- 102].
قال صاحب فتح المجيد: «وقد نص أصحاب أحمد أنه يكفر بتعلمه وتعليمه».
السحر من السبع المهلكات
</STRONG>
وهي أعظم الذنوب التي تؤدي بصاحبها إلى الهلاك والخسران، عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا يا رسول الله: وما هن؟ قال: الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات» [رواه البخاري ومسلم].
لبيد بن أعصم يسحر النبي صلى الله عليه وسلم
</STRONG>
حاولت يهود قتل النبي صلى الله عليه وسلم وإيذاءه بشتى الوسائل ومنها عمل السحر، وقد أبطل الله كيدهم وحمى نبيه من شرهم حتى بلغ رسالة ربه عز وجل، عن أم المؤمنين عائشة- رضي الله عنها- أن النبي صلى الله عليه وسلم «سحر حتى يخيل إليه أنه يفعل الشيء وما يفعله، وأنه قال لها ذات يوم: أتاني ملكان فجلس أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي، فقال: ما وجع الرجل؟ قال: مطبوب، قال: ومن طبه؟ قال: لبيد بن أعصم في مشط ومشاطه، وفي جف طلعة ذكر في بئر ذروان» [رواه البخاري ومسلم].
وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإخراج ذلك السحر من تلك البئر وتم إتلافه فشفي النبي صلى الله عليه وسلم مما أصابه.
عقوبة الساحر
عقوبة الساحر القتل وهذا ما أمر به الخليفة الراشد عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- ففي صحيح البخاري عن بجالة بن عبدة قال: كتب عمر بن الخطاب: أن اقتلوا كل ساحر وساحرة.
وبهذا الحديث أخذ الأئمة مالك وأحمد وأبو حنيفة وقالوا: يقتل الساحر، وقيل يستتاب فإن تاب وإلا قتل.
والساحر مفسد في الأرض، وشره عظيم وقد يستعدي به بعض الناس على الآخرين، فكان استئصال هذا المفسد وتخليص الناس من شره بقتله.
التحذير من الذهاب إلى السحرة
</STRONG>
أفتى العلماء بتحريم الذهاب إلى السحرة، ولو لفك السحر عن المسحور، فالسحر تعلمه محرم، والواجب في حق الساحر أن يقتل، حتى يخلص الناس من الناس من شره، فكيف يجوز الاستعانة به وهذا أمره، وهؤلاء السحرة يقومون باستغلال الناس ويطلبون منهم المبالغ الطائلة، وربما لا يصلون معهم إلى نتيجة ولا يستفيد من يذهب إليهم منهم ويكون قد خسر دينه ودنياه بأن ارتكب المحرم وذهب ماله عند هؤلاء المشعوذين، وهؤلاء السحرة لا يؤمن السحرة إلى الاتصال أنهم يسعون لإنقاذك من سحر قد عمله آخرون لك، ثم عن طريق هذه الكذبة يدخلون الشخص في متاهة ويربطونه بهم، خاصة إذا كان ضعيف الإيمان قليل العلم لا يعرف السحر وأكاذيب السحرة، فلذلك نحذر من الذهاب إلى السحرة، وأن هذا محرم لا يجوز التعامل به، ونحذر من الاستماع إلى اتصالاتهم الهاتفية أو تصديقهم أو الاسترسال معهم فالأفضل قطع الاتصال فورا وحسم مادة الشر من أولها وإن حصل الإنكار عليهم وإخبار من يستطيع ردعهم فهذا هو الأولى، ومن ابتلي بسحر فطريقة علاجه بالرقى الشرعية وبالأدوية المباحة وبالدعاء لرب العالمين أن يشفي المبتلى، قال تعالى (وإذا مرضت فهو يشفين)، وإذا وجد ما تم عمل السحر به من عقد أو شعر أو خرق فيتلف بإحراقه ويستعين المريض بربه ويطلب الفرج منه قال تعالى (ومن يتق الله يجعل له مخرجا) [الطلاق- 2]، فالحذر كل الحذر من السحرة والمشعوذين.
أحذروا الوسوسة بالسحر
</STRONG>
بعض الناس يصاب باكتئاب وقلق وضيق لمشاكل الحياة وهذا طبيعي في الحياة الدنيا ويوم هم ويوم فرح، وهكذا الدنيا وتنفرج بإذن الله بعد الضيق، قال تعالى (إن مع العسر يسرا)، ولكن البعض يفسر ذلك الاكتئاب بأنه سحر ويتخيل أنه مسحور ويعيش في هذه الأوهام وهذا خطأ، من يتعرض للسحر قلة قليلة من الناس، وهذا من فضل الله، لذلك ينبغي الابتعاد عن كثير من الأوهام التي تنغص على الإنسان حياته ونحافظ على الصلوات الخمس وعلى الأذكار الشرعية الثابتة ونحفظ دين الله حتى يحفظنا الله كما أوصى النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عباس فقال له: «أحفظ الله يحفظك»، وحفظ الله هو (امتثال أوامره) و(اجتناب نواهيه) حفظنا الله وإياكم من السحر ومن كل شر.
ما يتقى به من السحر
</STRONG>1- قراءة سورة الإخلاص والفلق والناس في الصباح ثلاثا وفي المساء ثلاثا.
2- قراءة آية الكرسي (الله لا إله إلا هو الحي القيوم) [البقرة- 255]، إلى آخر الآية عند النوم.
3- التعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق عند نزول أي منزل في البناء أو الصحراء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من نزل منزلا فقال أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك» [رواه مسلم].
البيان نوع من السحر
عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «إن من البيان لسحرا» [رواه البخاري ومسلم].
البيان هو البلاغة والفصاحة
البيان نوعان:
</STRONG>
ممدوح: وهو الذي يوضح الحق ويقرره ويبطل الباطل ويبينه.
مذموم: وهو الذي يجعل الحق في صورة الباطل والباطل في صورة الحق، يستميل صاحبه قلوب الجهال حتى يقبلوا الباطل وينكروا الحق، ويكون صاحب هذا البيان أقوى في الحجة بحيث يلبس على الآخرين، ووجه تشبيهه بالسحر لشدة تأثيره في قلوب سامعيه.
حفظنا الله وإياكم من كل مكروه ومتعنا بالصحة والعافية وسلم لنا ديننا وأعاذنا من شر السحر وأهله وصلى الله عليه وسلم عل الهادي البشير النذير وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجهم إلى يوم الدين.
كتبه
-عبد الرحمن بن ندى العتيبي