ولا تلبــسوا الحـــق بالبــاطــل
أمير بن محمد المدري
إمام وخطيب مسجد الإيمان – اليمن
إن من أعظم الفتن التي يفتن الشيطان بها العباد، فتنة التزيين ولبس الحق بالباطل وإتباع الهوى في ذلك، والكارثة أنهم يحسبون أنهم يُحسنون صنعاً.
إنهم صنف من الناس تعاونوا في وضع هذا التلبيس في قوالب من الأقوال مزخرفة، وألفاظ من القول خادعة، وتسمية للأشياء بغير أسمائها فَضَلّ بسبب ذلك كثير من الناس.
ومن ذلك: ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله وحجتهم في ذلك خوف الابتلاء وتعريض النفس للفتن، فهناك من يترك الأمر والنهي عجزاً وكسلاً وجبناً وبخلاً، لكن لا يريد أن يعترف بهذه الصفات الذميمة، فبدلاً من الاعتراف بها والسعي للتخلص منها فإنه يحاول جاهداً في تغطية ضعفه هذا بمبررات شرعية، منها: الخوف من الفتن واعتزال كل ما يعرض النفس للابتلاء والفتنة والهلكة ودرء المفاسد .
ومن ذلك المداهنة وضعف الولاء والبراء بحجة المداراة والتسامح ومصلحة الأمة،وهذا جاء نتيجة الخلط بين المداراة والمداهنة، والتميع في الولاء والبراء بحجة التسامح، كل ذلك ينتج عنه آثار خطيرة على الدين وأهله.
ونرى الانفتاح على الدنيا والركون إليها، بحجة التعفف عن الناس وإنفاق المال في وجوه الخير، و الشيطان لا يألو جهداً في إغواء بني آدم وجرهم إلى حزبه خطوة خطوة، ولهذا: فهو يبدأ مع الإنسان ـ ليجره إلى الدنيا وغرورها ـ من باب التعفف عن الناس، ومساعدة المحتاج، وإغاثة الملهوف..إلخ، ثم بعد ذلك، وبعد إشغاله بالمال وطرق جمعه ومشاكله وشبهاته نبحث عن صاحبنا الذي كنا نراه في لقاءات الخير والدعوة إلى الله (سبحانه) فلا نراه إلا قليلاً، وهكذا، حتى ينفتح على الدنيا، ويركن إليها، ويضع له الشيطان في كل وادٍ من أوديتها شغلاً وهماً يتشعب فيهما الفكر، ويتشتت فيهما الذهن ويتحول المال المكتسب إلى استثمارات جديدة وتوسع في المباحات وإسراف في المآكل والمراكب والمساكن، وقد كان الهدف في البداية هو التعفف والإسهام في وجوه الخير والبر.
وسمعنا ورأينا من يقومون بالتشهير بالدعاة والمصلحين واغتيابهم بحجة النصيحة والتحذير من الأخطاء : فكان هذا شغلهم الشاغل بالليل والنهار تتبع عورات العملاء والدعاء وزلاتهم ونشر ذلك في عبر جميع الوسائل ،ونسوا أن العصمة انتهت بموت النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم.
ومن ذلك أيضا الاحتجاج بيسر الشريعة وضغط الواقع، وهذا حق لا شك فيه، ولكن الاحتجاج بهذا التيسير للتفلت من أحكام الشريعة والتحايل عليها، واتباع الهوى في الأخذ بالرخص والشذوذات الفقهية، كل هذا باطل وتلبيس وتضليل، يتبنى ذلك أهل الأهواء الذين يتبعون الشهوات، يريدون بذلك تحلل المجتمع المسلم من أحكام الشريعة باسم التيسير وترك التشديد، وصدق الله العظيم: ((ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاْ عظيماً))[النساء: 27].
ثبتنا الله وإياكم على الحق وأماتنا عليه ميتة حسنة أته ولي ذلك والقادر عليه.